A-
A+

الإحالة للتقاعد المُبكر.. انتكاسة إنسان - بقلم الدكتور احمد عبدالملك


أجمعَ مواطنون قطريون على أن التقاعد المُبكر يحرم القطريين من القدرة على العطاء، ويُضيّع الكفاءات المؤهلة، والتي صرفت عليها الدولة الكثير، وأصبح لديها الوعي، والإمكانيات الثقافية والإدارية.
​وجاء في تحقيق الشرق ليوم الجمعة 22/3/2019 أن التقاعد المُبكر غير مقبول، كما جاء على لسان السيد راشد حمد المعضادي مراقب مجلس الشورى، والذي دعا إلى تشكيل لجنة تدرس التقاعد المُبكر للموظفين القادرين على العطاء، واستنكر السيد ناصر سلطان الحميدي عضو مجلس الشورى دفع موظفي الدولة إلى التقاعد المُبكر وهم في الأربعينيات. كما حذّرت الدكتورة نورة المناعي من خطورة التقاعد المبكر، وما ينتج عنه من آثار اجتماعية ونفسية، ولقد شارك في التحقيق مجموعة من المواطنين القطريين.
في حقيقة الأمر إن سن العطاء للإنسان يبدأ بعد أن يتجاوز الأربعين، ويكون قد عاصر قضايا عديدة، وتمرّس على رجاحة العقل، وحُسن التصرف، ونال من الخبرة الشيء الكثير. كما تهدأ عند الإنسان – في ذلك العمر-(ثورة الشباب) والتأفف والاستعجال في إطلاق الأحكام. كما أن هناك وظائف مثل الإعلام والثقافة والتعليم، ترتكز على التراكم المعرفي، ولا يجوز التفريط بها.
ومن ناحية ثانية، فإن المُحالين إلى التقاعد منذ 15-20 عاماً، هم من الذين سنحت لهم الفرصة، ولم تقصّر الدولة في تعليمهم، سواء في الدورات التدريبية المتخصصة، أو في الدراسات العليا، وأصبحوا كادراً مؤهلاً في المؤسسات التي يعملون فيها، ولا يجوز التفريط بهم، مهما كانت الأسباب، لأن دولتنا الناهضة بحاجة إلى خبرات أي مواطن، وفي أي تخصص، فما بالكم بتخصصات فنية لا يكتمل الإنسان فيها إلا بعد أن يتجاوز الأربعين؟ أما إذا اختار الموظف التقاعد المُبكر بنفسه، فهذا شأنه، أما أن يحدث التقاعد المُبكر فقط لأن المسؤول ( لا يرتاح لهذا الموظف)، أو كما أخبرني أحد الزملاء الذين عملت معهم بأن ( نجمك لا يركب على نجم الوزير)، فهذا كلام تجاوزته دولة قطر، خصوصاً إن كان المسؤول أقلَّ تعليماً وتأهيلاً، وأقل خبرة وكفاءة، من الموظف. وقد يأتي مسؤول لمدة عام، لينسف المؤسسة، ثم يتم اكتشاف عدم كفاءته لهذا المنصب، ويُزاح بعد أن يهدم المؤسسة بإحالته المؤهلين إلى التقاعد. ولقد خسرنا كفاءات عديدة، في مجالات تراكمية مهمة، كان يجب أن يُستفاد منها في وظائف استشارية للجيل الثاني، ونحن لسنا ضد توظيف الشباب أبداً، وهذا حقهم، ولكن الخبرات التراكمية لدى الجيل الذي أُحيل إلى التقاعد تكون معيناً لهؤلاء الشباب، ما يساهم في سرعة استيعابهم للعمل، وقدرتهم على تحمل المسؤولية، وبالتالي إفادة الوطن والمجتمع.
أنا أضم صوتي لكل المواطنين الذين دعوا إلى تشكيل لجنة لبحث حالات الذين أُحيلوا إلى التقاعد المُبكر، دون سند قانوني، أو رغما عن إرادتهم، وهم ما زالوا بعد 15 عاماً من تلك الإحالة المشؤومة يمارسون نشاطاً واضحاً، ويخدمون الوطن وأبناءَه بكل همّة ونشاط، ولكن بأقل من ثلث الراتب! وهذه إشكالية كبيرة يجب أن تأخذها تلك اللجنة في الاعتبار. وعلى هذه اللجنة أن تفتح كل الملفات – وبكل شفافية – وتلتقي بالذين أُحيلوا إلى التقاعد دون حق، وأن ترد إليهم حقوقهم التي اغتصبها توقيعٌ "شارد" عن الحقيقة والواقعية، بحيث حرمهم من حق إفادة المجتمع، والاستفادة من حقهم الوطني في الراتب، وهذه مسألة لن تستعصي على القانونيين والمُحاسبين.
وطننا الغالي يحتاج لأية كفاءة، ووطننا غنيٌّ بأبنائه وبناته، وبقيادة تلمست احتياجات المواطن، وشاركته السراء والضراء، وإذا كانت هنالك كفاءة في أيّ مجال يجب ألا تغلق دونها الأبواب، لأن المواطن له حقوق كما أن عليه واجبات، والمواثيق الدولية تنص على حق المواطن في العمل، كما أن الدستور القطري كفل حق المساواة بين المواطنين (مادة 34 من الباب الثالث)، لذا فإنه لا تجوز إحالة موظف عمره 55 عاماً، يتمتع بصحة جيدة، وسجله حافل بالإنجازات والنشاط والإنتاجية إلى التقاعد، بينما موظف آخر وصل السبعين، وليس بذات الكفاءة، ما زال على رأس عمله! ولا بد لنا من تطبيق المادة (18 من الباب الثاني للدستور) والتي تقول: "يقوم المجتمع القطري على دعامات العدل، والإحسان، والحرية، والمساواة، ومكارم الأخلاق".
ومن أرقى درجات العدل والمساواة ومكارم الأخلاق أن يتم احترام حقوق المواطنين الذين خدموا الدولة لأكثر من ثلاثين عاماً، وأفنوا شبابهم، وتفانوا في أعمالهم، وحبهم للوطن، لا أن يأتي قرار تعسفي يهدم كل ما قدّمه هؤلاء، دون وعي، ودون الرجوع إلى الملفات، والتي تزخر بالإنجازات والتفاني في خدمة الوطن والمجتمع.
إن الأخلاق القطرية السامية، والأعراف التي درج عليها المجتمع، وكعبة المضيوم، وحرص حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، على العدل والمساواة وكرامة شعبه، تجعلنا نأمل أن تُشكل اللجنة التي نادى بها المواطنون القطريون، كما سبق، كي تَفتح الملفات، وتدرس أسباب إحالة بعض الموظفين دون سند قانوني، أو عبر مزاج من مسؤول! هنالك مواطنون مخلصون ومؤهلون، لماذا لا تستفيد منهم الدولة كسفراء، ومستشارين، ومُدربين، كما أن بعضهم يحمل خبرة تزيد على الثلاثين عاماً، ويحمل شهادات عليا، وتشهد لهم سِيرُهم الذاتية بالكفاءة والمعرفة والثقافة؟!.
نأمل أن يتم رفع العسف الذي وقع على بعض الموظفين القطريين، ومسح الانتكاسة التي حصلت لهم، ووقف تسرب الكفاءات التي يحتاجها سوق العمل، وأن توضع في الأماكن التي تستحقها، كي تعيش في رخاء أسوة بجميع المواط
Skip Navigation LinksGRSIA > الموقع > المقالات > الإحالة للتقاعد المُبكر.. انتكاسة إنسان - بقلم الدكتور احمد عبدالملك