A-
A+

حياتنا لا تتوقف مع التقاعد - بقلم - جابر الحرمي

ينظر البعض لمرحلة التقاعد على انها نهاية المطاف ، وهي نظرة تشاؤمية، فيها من الاحباط الشيء الكثير ، وفي الوقت نفسه تخالف الواقع .
التقاعد لا يعني ابدا التوقف عن العطاء ، او الانزواء في جانب من الحياة ، والتقوقع فيها ، والابتعاد عن ممارسة الحياة اليومية بأفقها الأرحب .. .
على العكس من ذلك تماما ، يمكن للتقاعد ان يكون البداية لعطاء جديد ، وابداع في اعمال مختلفة ، خاصة بعد ان تكون قد تخلصت من اعمال " روتينية " كنت تؤديها لطبيعة العمل الذي كنت تمارسه ، فانتقلت الآن الى مرحلة ابداع في العمل الذي يمكن ان تؤديه لسرتك ، لمجتمعك .. ، بل حتى لنفسك ، فالكثير منا مقصر حتى مع نفسه وأسرته ، في ظل انشغاله الدائم بمتطلبات العمل والوظيفة الرسمية ، وينسى واجباته تجاه أسرته ، ففي كثير من الاحيان حتى في الاجازات والعطل التي نقضيها مع افراد اسرتنا ، فان العمل يزاحم برنامج تلك الاجازات ، ونستقطع اوقاتا هي من المفترض انها لأسرتنا ، لكننا نقوم بانهاء اعمال تخص وظيفتنا الرسمية ، وهي عادة درج عليها الكثير منا .
وانا هنا حقيقة ادعو الأخوة القائمين على المؤسسات المعنية بمتابعة شؤون الافراد ما بعد العمل الرسمي ، والتي تسمى " التقاعد " ، هيئات كانت او وزارات او مؤسسات ، الى البحث عن مصطلح آخر غير هذا الاسم ، بحيث يدفع حتى اسم هذه الجهات للايجابية والتفاؤل والاندفاع نحو تجديد الروح والعطاء لمجتمعاتنا ، وهو امر ينعكس بالمناسبة على دافعية الافراد اذا ما كانت الاسماء محفزة لذلك .
هناك حاجة ماسة لمشاركة المتقاعد في العمل المجتمعي ، وفي القطاع الخاص ، والعمل على تأسيس مشاريع تنموية غير تقليدية ، خاصة ان الكثير من شريحة المتقاعدين ان لم يكن جميعهم ، يمتلكون خبرة ورصيدا من التجربة في الحياة ، عبر خوضهم لتجارب مختلفة ، من خلال مناصبهم او الاعمال والوظائف التي تقلدوها ، وهو ما يتيح لهم تنفيذ مشاريع ناجحة تخدم المجتمع ، ويتحولون الى عتاصر ايجابية وفاعلة ، بدلا من حالة الانطواء التي يدخلها البعض بمجرد اشعاره انه قد تم تحويله الى هيئة التقاعد .
الحياة لا تتوقف عند مرحلة وظيفية ، او عمل رسمي حكومي .. ، الحياة تتوقف في حالة واحدة ، عنما ينقضي الاجل المحدد للانسان ، طالما هناك روح تتواجد بالجسد ، فان العطاء لا يتوقف ، بطرق شتى ، ليس فقط بالجسد ، ربما اعمال تنفذها بالفكر والتخطيط والتوجيه والارشاد .. أفضل بكثير من اعمال جسدية تؤديها ، المهم في النهاية انك لا تتوقف عن التجديد في حياتك ، وعن المساهمة الفاعلة في حياة المجتمع ، الذي انا وانت وهو وهي ، جزء من مكوناته ومنظومته ، واذا ما تخلى احد منا عن الادوار والمسؤوليات المنزطة به ، فاننا سنصحو يوما امام تراجع رهيب في تقدم وازدهار مجتمعنا .
مسؤوليتي ومسؤوليتك امام الله عزوجل اولا ، ثم امام مجتمعنا غير مرتبطة بتواجدنا على رأس وظائفنا الرسمية ، جميعنا محاسبون وعلينا مسؤوليات ، لا تحال الى التقاعد اذا ما انتقلنا نحن الى هذه المرحلة الوظيفية والحياتية الجديدة .
كل المتقاعدين لديهم طاقات جبارة ، يمكن استثمارها في ابداع جديد ، يخدم المجتمع ، ونحن بأمس الحاجة الى ذلك .



Skip Navigation LinksGRSIA > الموقع > المقالات > حياتنا لا تتوقف مع التقاعد - بقلم - جابر الحرمي