A-
A+

عن شيء ما .. إليك أيها المتقاعد...الراية ...حنان بديع

من الأهمية أن يمتلك الإنسان شغفًا ما وأن يتمكن من جعله حقيقة

عندما تنتهي مسيرتنا المهنيّة رسميًا، نحتاج إلى التفكير فيما سنفعلُ، ومن سنكون؟ أو من نريد أن نكون؟

لا مجال للصدفة هنا، فمرحلة ما بعد التقاعد تحتاج إلى تخطيط، عادة ما يتركز تفكير الأشخاص أثناء الاستعداد لمرحلة التقاعد على الموضوع المالي ليس أكثر، بيد أن الأمر يحتاج إلى التركيز على الجانبين النفسي والاجتماعي أيضًا، وهما الجانبان اللذان برزا في إحدى الدراسات حين ركزت على الجانب النفسي للمُتقاعدين، وخلصت إلى أنه عند سؤال المُتقاعدين كيف يعرفون أو يصفون أنفسهم كانوا يجيبون «أنا أمين مكتبة مُتقاعد» أو «أنا معلم مُتقاعد» أو «طبيب مُتقاعد» أو «مهندس مُتقاعد».. إلخ، أي يواصلون ربط أنفسهم بالمهنة السابقة في جميع الأحوال!

بل وبعضهم يُنكر أنه أُحيل إلى التقاعد وهو أمر لافت للغاية، إذ إنهم يتحدّثون عن مهنتهم على الرغم من أنهم ما عادوا يزاولونها اليوم، وحين تمّ سؤالهم لماذا يفعلون ذلك؟ أجابوا بأنهم لا يرغبون في أن ينظر إليهم أحد على أنهم أشخاص خارج السرب أو أنهم من عالم الأمس بل يريدون الانتماء إلى عالم اليوم.

إذن العمل ضروري للغاية لتكون الحياة جيّدة ومُمتعة، نعم العمل هو الذي يُعطي معنى للوجود بالنسبة لمُعظمنا.

لكن أي مهنة نزاولها ستنتهي اليوم أو غدًا لسبب ما، قد يكون التقاعد أو غيره من الأسباب، فهي لا ولن تدوم إلى الأبد.

لذا من الأهمية أن يمتلك الإنسان شغفًا ما وأن يتمكن من جعله حقيقة، ويمارس الأمر باعتباره فرصة حقيقية بالنسبة لشخص لم يكن لديه الوقت الكافي أثناء مزاولة مهنته.

لعل التقاعد أكبر التحديات التي تواجه الاقتصادات المُتقدّمة، ومعظم مُجتمعات العالم لديها قضاياها المُتعلقة بالتقاعد والمُتقاعدين وهي قضايا قد تحتاج إلى علاج، لكن الاهتمام بالجانب النفسي للمُتقاعدين الذين ما زالوا يحتفظون بقدرتهم الجسدية ورغبتهم في العطاء، وربما شغفهم بمهنة ما يجب أن يكون أولوية لترسيخ فكرة التقاعد المُنتج وليس المُبكر.

لمَ لا؟ ف «التقاعد» ليس نهاية بل فرصة يجب اقتناصها لعمل ما لم يكن بالإمكان عمله، حتى لو لم يكن في صورة «وظيفة».

ولنا في تجارب البعض عبرة، فالروائي «ماريو بارغاسي يوسا» الحاصل على جائزة نوبل مثلًا، كان في الثمانينيات من عمره وكان يعمل يوميًا في مكتبه سبعة أيام في الأسبوع حين صرّح قائلًا: ليس لدي شعور بأنها وظيفة، الكتابة تبعث السرور في نفسي حتى خلال الفترات الصعبة.

باختصار، ابحثوا عما يبعث السرور في أنفسكم دون أن تشعروا أنكم تُمارسون وظيفة ما، إنه الأمر الإيجابي في هذه المرحلة من العمر التي تبدو وكأنها «أزمة وجودية» في حين هي فرصة للتحرّر من الالتزام وممارسة نشاط ما بحريّة تامّة وبشغف كبير وبقناعة حقيقيّة.

hananbadih58@gmail.com

Skip Navigation LinksGRSIA > الموقع > المقالات > عن شيء ما .. إليك أيها المتقاعد...الراية ...حنان بديع